كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا) عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْلَفْ قَبْلُ أَوْ أَنَّ ظُهُورَهُ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ خِصَالِهِ الْمَحْمُودَةِ وَرَجَاءَ أَنْ يَحْمَدَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَاسِيَّمَا إنْ صَحَّ مَا نُقِلَ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأَى سِلْسِلَةً بَيْضَاءَ خَرَجَتْ مِنْهُ أَضَاءَ لَهَا الْعَالَمُ فَأُوِّلَتْ بِوَلَدٍ يَخْرُجُ مِنْهُ يَكُونُ كَذَلِكَ (عَبْدُهُ) قُدِّمَ لِأَنَّ وَصْفَ الْعُبُودِيَّةِ أَشْرَفُ الْأَوْصَافِ وَمِنْ ثَمَّ ذُكِرَ فِي أَفْخَمِ مَقَامَاتِهِ {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} {فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ} (وَرَسُولُهُ) لِكَافَّةِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إجْمَاعًا مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ مُنْكِرُهُ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ كَالسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَرَدُّوا عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَصَرِيحُ آيَةِ: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} إذْ الْعَالَمُ مَا سِوَى اللَّهِ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» يُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ.
قَالَ الْبَارِزِيُّ أَنَّهُ أُرْسِلَ حَتَّى لِلْجَمَادَاتِ بَعْدَ جَعْلِهَا مُدْرِكَةً وَفَائِدَةُ الْإِرْسَالِ لِلْمَعْصُومِ وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِ طَلَبُ إذْعَانِهِمَا لِشَرَفِهِ وَدُخُولُهُمَا تَحْتَ دَعْوَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ تَشْرِيفًا لَهُ عَلَى سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ وَالرَّسُولُ مِنْ الْبَشَرِ ذَكَرٌ حُرٌّ أَكْمَلُ مُعَاصِرِيهِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَقْلًا وَفِطْنَةً وَقُوَّةَ رَأْيٍ وَخَلْقًا بِالْفَتْحِ وَعُقْدَةُ مُوسَى أُزِيلَتْ بِدَعْوَتِهِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا فِي الْآيَةِ مَعْصُومٌ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ سَهْوًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ سَلِيمٌ مِنْ دَنَاءَةِ أَبٍ وَخَنَى أُمٍّ وَإِنْ عَلِيًّا وَمِنْ مُنَفِّرٍ كَعَمًى وَبَرَصٍ وَجُذَامٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا نَحْوُ بَلَاءِ أَيُّوبَ وَعَمًى نَحْوِ يَعْقُوبَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لِطُرُوِّهِ بَعْدَ الْأَنْبَاءِ وَالْكَلَامُ فِيمَا قَارَنَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا مُنَفِّرٌ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ اسْتَقَرَّتْ نُبُوَّتُهُ وَمِنْ قِلَّةِ مُرُوءَةٍ كَأَكْلٍ بِطَرِيقٍ وَمِنْ دَنَاءَةِ صَنْعَةٍ كَحِجَامَةٍ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ وَلَا نَسْخٌ كَيُوشَعَ فَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ فَنَبِيٌّ فَحَسْبُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ إجْمَاعًا لِتَمَيُّزِهِ بِالرِّسَالَةِ الَّتِي هِيَ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ فِيهِ وَزَعَمَ تَعَلُّقَهَا بِالْحَقِّ يَرُدُّهُ أَنَّ الرِّسَالَةَ فِيهَا ذَلِكَ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالْخَلْقِ فَهُوَ زِيَادَةُ كَمَالٍ فِيهَا، وَصَحَّ خَبَرُ أَنَّ «عَدَدَ الْأَنْبِيَاءِ مِائَةٌ وَأَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا» وَخَبَرُ أَنَّ «عَدَدَ الرُّسُلِ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ».
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى عَدِّهِمَا فَفِي سَنَدٍ لَهُ ضَعِيفٍ وَفِي آخَرَ مُخْتَلِطٌ لَكِنَّهُ انْجَبَرَ بِتَعَدُّدِهِ فَصَارَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ، وَمِمَّا يُقَوِّيهِ تَكَرُّرُ رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَهُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الضَّعِيفِ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ وَبِمَا ذُكِرَ الصَّرِيحُ فِي تَغَايُرِ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ يَتَبَيَّنُ غَلَطُ مَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ التَّبْلِيغِ وَاسْتِرْوَاحُ ابْنِ الْهُمَامِ مَعَ تَحْقِيقِهِ فِي نِسْبَتِهِ ذَلِكَ الْغَلَطَ لَلْمُحَقِّقِينَ وَقَدْ صُرِّحَ قَبْلُ بِأَنَّ الْخَبَرَ إنْ صَحَّ بِعَدَدِهِمَا الْمَذْكُورِ وَجَبَ ظَنًّا اعْتِقَادُهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي كَلَامِ مُحَقِّقِي أَئِمَّةِ الْأَصْلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ الِاتِّحَادِ، وَأَيُّ مُحَقِّقِينَ خِلَافُ هَؤُلَاءِ ثُمَّ رَأَيْت تِلْمِيذَهُ الْكَمَالَ بْنَ أَبِي شَرِيفٍ أَشَارَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْته وَوَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالتَّفْسِيرِ مَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ، وَهُوَ تَقَوُّلٌ لَا أَصْلَ لَهُ فَوَجَبَ اعْتِقَادُ خِلَافِهِ (الْمُصْطَفَى) أَيْ الْمُسْتَخْلَصِ مِنْ الصَّفْوَةِ (الْمُخْتَارُ) مِنْ الْعَالَمِينَ لِدُعَائِهِمْ إلَى رَبِّهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُهُمْ بِنَصِّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} إذْ كَمَالُ الْأُمَّةِ تَابِعٌ لِكَمَالِ نَبِيِّهَا {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} إذْ لَا يَكُونُ مُمْتَثِلًا لَهُ إلَّا إنْ حَوَى جَمِيعَ كَمَالَاتِهِمْ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي» وَنَهْيُهُ عَنْ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَعَنْ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ مَحَلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فِيمَا يُؤَدِّي لِخُصُومَةٍ أَوْ تَنْقِيصِ بَعْضِهِمْ أَوْ هُوَ تَوَاضُعٌ أَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ مِنْ اسْمِ مَفْعُولِ الْمُضَعَّفِ) بِالْإِضَافَةِ.
(قَوْلُهُ الْمُضَعَّفِ) أَيْ مُكَرَّرِ الْعَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ التَّضْعِيفِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّرْفِيِّينَ وَهُوَ فِي الثُّلَاثِيِّ مَا كَانَتْ عَيْنُهُ وَلَامُهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَمَدَّ وَفِي الرُّبَاعِيِّ مَا كَانَتْ فَاؤُهُ وَلَامُهُ الْأُولَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَعَيْنُهُ وَلَامُهُ الثَّانِيَةُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَزَلْزَلَ ع ش.
(قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ نَبِيُّنَا إلَخْ) وَلَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ بِمُحَمَّدٍ قَبْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَمَّا قَرُبَ زَمَنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَشَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ نَعْتَهُ سَمَّى قَوْمٌ أَوْلَادَهُمْ بِهِ رَجَاءَ النُّبُوَّةِ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ وَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا كُرْدِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِإِلْهَامٍ) مُتَعَلِّقٌ بِسُمِّي.
(قَوْلُهُ إشَارَةً إلَخْ) مَفْعُولٌ لَهُ لِسُمِّي الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ بِإِلْهَامٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَرَجَاءٌ إلَخْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَكِنْ بِدُونِ اعْتِبَارِ تَقَيُّدِ عَامِلِهِ أَيْ سُمِّيَ بِالْإِلْهَامِ فَتَأَمَّلْ عِبَارَةُ الْمُغْنِي سُمِّيَ بِهِ إلْهَامًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْجَمِيلَةِ كَمَا رُوِيَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا لِمَ سَمَّيْت ابْنَك مُحَمَّدًا وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِك وَلَا قَوْمِك قَالَ رَجَوْت أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسْمٍ وَلِنَبِيِّهِ كَذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ إنَّهُ رَأَى إلَخْ) أَيْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ.
(قَوْلُهُ مَعْلُومًا إلَخْ) الْأَوْلَى الْعَطْفُ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ إلَخْ) خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ عِبَارَتُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ مِنْ النَّاسِ لِيَدْعُوَهُمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. وَيَأْتِي عَنْ الْمُغْنِي مَا يُشِيرُ إلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ مِنْ بَعْثِهِ إلَى الْمَلَائِكَةِ.
(قَوْلُهُ إذْ الْعَالَمُ إلَخْ) عِلَّةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمُدَّعِي.
(قَوْلُهُ وَصَرِيحُ إلَخْ) الْأَوْلَى وَظَاهِرُ آيَةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ وَخَبَرُ مُسْلِمٍ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى آيَةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ يُؤَيِّدُ إلَخْ) خَبَرٌ وَصَرِيحُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ ذَلِكَ) أَيْ بَعْثُهُ إلَى الْمَلَائِكَةِ.
(قَوْلُهُ بَلْ قَوْلُ الْبَارِزِيِّ إلَخْ) عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَتَهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُصَنِّفِ بَلْ أَخَذَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِعُمُومِهِ حَتَّى لِلْجَمَادَاتِ بِأَنْ رَكَّبَ فِيهَا عَقْلٌ حَتَّى آمَنَتْ بِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ الْإِرْسَالِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ فَإِنْ قُلْت تَكْلِيفُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ أَصْلِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قُلْت الْحَقُّ تَكْلِيفُهُمْ بِالطَّاعَاتِ الْعَمَلِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} بِخِلَافِ نَحْوِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فِيهِمْ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فَهُوَ مُحَالٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ الْبَشَرِ) يُخْرِجُ الرَّسُولُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ الْإِرْسَالَ مِنْهُمْ هُوَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ السِّفَارَةِ رَشِيدِيٌّ عِبَارَةُ شَيْخِنَا وَمَعْنَى كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أَنَّهُمْ وَاسِطَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْخَلْقِ مِنْ الْبَشَرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَخَلْقًا) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْكَلَامَ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ سَهْوًا) مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَشْرِيعٌ.
وَأَمَّا السَّهْوُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَجَائِزٌ كَمَا وَقَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِيَامِهِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ مُعْتَقِدًا التَّمَامَ بُنَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْغَايَاتِ الثَّلَاثَةِ.
(قَوْلُهُ وَخَنَى أُمٍّ) أَيْ بِالْقَصْرِ أَيْ فُحْشُهَا وَزِنَاهَا.
(قَوْلُهُ وَعَمَى) وَفِي كَلَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} مَا يُصَرِّحُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ فَقْدِ الْعَمَى وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي حَاشِيَتِهِ بَصْرِيٌّ.
(قَوْلُهُ نَحْوُ يَعْقُوبَ) كَشُعَيْبٍ.
(قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ عَمَى نَحْوِ يَعْقُوبَ.
(قَوْلُهُ لِطَرْدِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَلَاءِ وَالْعَمَى.
(قَوْلُهُ أَنَّ هَذَا) أَيْ الْمُقَارَنَ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ) أَيْ الطَّارِئِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ قِلَّةٍ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مِنْ دَنَاءَةِ أَبٍ.
(قَوْلُهُ أُوحِيَ إلَيْهِ إلَخْ) نَعْتٌ خَامِسٌ لِذَكَرٍ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَخْ) وَالْكَلَامُ فِي نُبُوَّةِ رَسُولٍ وَرِسَالَتِهِ وَإِلَّا فَالرَّسُولُ أَفْضَلُ مِنْ النَّبِيِّ قَطْعًا وَالنُّبُوَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْوِلَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِنَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ تَعْلِيلَهُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنُّبُوَّةِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفَ وَهُوَ الْإِيحَاءُ إلَى شَخْصٍ بِتَشْرِيعٍ خَاصٍّ بِهِ وَبِالرِّسَالَةِ الْإِيحَاءُ بِتَشْرِيعٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَوْ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاسِيرِ الْمَشْهُورَةِ إذْ مِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ النُّبُوَّةَ بِكُلِّ هَذِهِ الْمَعَانِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْخَلْقِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا فِعْلُ مُكَلَّفٍ كَمَا أَنَّ الرِّسَالَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّةُ التَّعَلُّقِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَعَلُّقٌ بِالْحَقِّ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ صُدُورِهِمَا عَنْهُ، وَهَذَا الْبَيَانُ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى غَيْرِ مِثْلِهِ فَكَيْفَ بِهِ وَقَدْ شُرِّفَ بِالتَّلْقِيبِ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ فَيَحُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالنُّبُوَّةِ بَاطِنَهَا الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْوِلَايَةِ وَهِيَ الْإِيحَاءُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، وَمَا يُلَائِمُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَسْرَارِ الْمَوْجُودَاتِ وَمَعْرِفَتِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَأَحْوَالِ النَّشْأَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَالْبَرْزَخِيَّةِ وَبِالرِّسَالَةِ ظَاهِرُ النُّبُوَّةِ الَّذِي هُوَ الْإِيحَاءُ بِالتَّشْرِيعِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ إذْ الْأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَقِّ تَعَالَى وَالثَّانِي مُتَعَلِّقٌ بِالْخَلْقِ أَيْ بِتَكْمِيلِهِمْ لِيَتَهَيَّئُوا لِإِفَاضَةِ شَيْءٍ مَا مِنْ انْعِكَاسِ أَنْوَارِ بَاطِنِ النُّبُوَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَمَّا تَوْجِيهُ كَوْنِ الثَّانِي مُتَعَلِّقًا بِالْخَلْقِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا تَوْجِيهُ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ بِالْحَقِّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا ذُكِرَ مَعَهَا فَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقَائِقِ الْمَوْجُودَاتِ وَاخْتِلَافِ النَّشَآتِ وَأَسْرَارِ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَأَكُّدِ التَّصْدِيقِ بِكَمَالِ الذَّاتِ وَاتِّصَافِهَا بِسَنِيِّ الصِّفَاتِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ مَا قَالَهُ بَعْضُ كُمَّلِ الْعَارِفِينَ مِنْ أَنَّ وِلَايَةَ النَّبِيِّ أَكْمَلُ مِنْ نُبُوَّتِهِ بَصْرِيٌّ.